فصل: حوادث سنة اثنتين وستين ومائتين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ (نسخة منقحة)



.حوادث سنة اثنتين وستين ومائتين:

.ذكر الحرب بين الموفق والصفار:

في هذه السنة، في المحرم، سار الصفار من فارس إلى الأهواز، فلما بلغ المعتمد إقباله أرسل إليه إسماعيل بن إسحاق وبفراج، وأطلق من كان في حبسه من أصحاب يعقوب، فإنه كان حبسهم لما أخذ يعقوب محمد بن طاهر بن الحسين. عاد إسماعيل برسالة من عند يعقوب، فجلس أبوأحمد ببغداد، وكان قد أخر مسيره إلى الزنج لما بلغه من خبر يعقوب، وأحضر التجار، وأخبرهم بتولية يعقوب خراسان، وجرجان، وطبرستان، والري، وفارس، والشرطة ببغداد، وكان بمحضر من درهم، صاحب يعقوب، كان يعقوب قد أرسله يطلب لنفسه ما ذكرنأن وأعاده أبوأحمد إلى يعقوب، ومعه عمر بن سيمأن بما أضيف إليه من الولايات.
فعاد الرسل من عند يعقوب يقولون: إنه لا يرضيه ما كتب به دون أن يسير إلى باب المعتمد! وارتحل يعقوب من عسكر مكرم، وسار إليه أبوالساج، وصار معه، فأكرمه، وأحسن إليه ووصله.
فلما سمع المعتمد رسالة يعقوب خرج من سامرا ف عساكره، وسار إلى بغداد، ثم إلى الزعفرانية، فنزلهأن وقدم أخاه الموفق، وسار يعقوب من عسكر مكرم إلى واسط، فدخلها لست بقين من جمادى الآخرة، وارتحل المعتمد من الزعفرانية إلى سبب بني كومأن فوافاه هناك مسرور البلخي عائداً من الوجه الذي كان فيه، سار يعقوب من واسط إلى دير العاقول؛ وسير المعتمد أخاه الموفق في العساكر لمحاربة يعقوب، فجعل الموفق على ميمنته موسى بن بغأن وعلى ميسرته مسروراً البلخي، وقام هوفي القلب.
والتقيا، فحملت ميسرة يعقوب على ميمنة الموفق فهزمتهأن وقتلت منها جماعة من قوادهم، منهم إبراهيم بن سيما وغيره، ثم تراجع المنهزمون، وكشف أبوأحمد الموفق رأسه وقال: أنا الغلام الهاشمي! وحمل، وحمل معه سائر عسكره على عسكر يعقوب، قثبتوأن وتحاربوا حرباً شديدة، وقتل من أصحاب يعقوب جماعة منهم الحسن الدرهمي، وأصابت يعقوب ثلاثة أسهم في حلقه ويديه، ولم تزل الحرب إلى آخر وقت العصر، ثم وافى با أحمد الموفق الديراني، ومحمد بن أوس، فاجتمع جميع من بقي في عسكره، وقد ظهر من أصحاب يعقوب كراهة للقتال معه، إذ رأوا الخليفة يقاتله، فحملوا على يعقوب ومن قد ثبت معه للقتال، فانهزم أصحاب يعقوب، وثبت يعقوب في خاصة أصحابه، حتى مضوأن وفارقوا موضع الحرب، وتبعهم أصحاب الموفق، فغمنوا ما في عسكرهم، وكان فيه من الدواب والبغال أكثر من عشرة آلاف، ومن الأموال ما يكل عن حمله، ومن حرب المسك أمر عظيم، وتخلص محمد بن طاهر، وكان مثقلاً بالحديد، وخلع عليه الموفق، وولاه الشرطة ببغداد بعد ذلك.
وسار يعقوب من الهزيمة إلى خوزستان، فنزل جند يسابور، وراسله العلوي البصري يحثه على الرجوع إلى بغداد، ويعده الاسعدة، فقال لكاتبه: اكتب إليه: {قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون} الكافرون: 2، السورة، وسير الكتاب إليه.
وكانت الوقعة لإحدى عشرة خلت من رجب؛ وكتب المعتمد إلى ابن واصل بتوليته فارس، وكان قد سار إليها وجمع جماعة فغلب عليهأن فسير إليه يعقوب عسكراً عظيماً عليهم ابن عزيز ين السري إلى فارس، واستولى عليهأن ورجع المعتمد إلى سامرا.
وأما أبوأحمد الموفق فإنه سار إلى واسط ليتبع الصفار، وأمر أصحابه بالتجهز لذلك، فأصابه مرض، فعاد إلى بغداد ومعه مسرور، وقبض ما لأبي الساج من الضياع والمنازل، وأقطعها مسروراً البلخي، وقدم محمد بن طاهر بغداد.

.ذكر أخبار الفرنج:

وفيها نفذ قائد الزنج جيوشه إلى ناحية البطيحة ودست ميسان.
وكان سبب ذلك أن تلك النواحي، لما خلت من العساكر السلطانية بسبب عود مسرور لحرب يعقوب، بث الزنج سارياه فيهأن تنهب، وتخرب.
وأتته الأخبار بخلو البطيحة من جند السلطان، فأمر سليمان بن جامع وجماعة من أصحابه بالمسير إلى الحوانيت، وسليمان بن موسى بالمسير إلى القادسية.
وقدم ابن التركي في ثالثين شذاة يريد عسكر الزنج، فنهب، وأحرق، فكتب الخبيث إلى سليمان بن موسى يأمره بمنعه من العبور، فأخذ سليمان عليه الطريق، فقاتلهم شهراً حتى تخلص، وانحاز إلى سليمان بن جامع من مذكوري البلالية، وأنجادهم، جمع كثير في خمسين ومائة سميرية، وكان مسرور قد وجه قبل مسيره عن واسط إلى المعتمد جماعة من أصحابه إلى سليمان في شذوات فظفر بهم سليمان، وهزمهم، وأخذ منهم سبع شذوات وقتل من اسر منهم.
وأشار الباهليون على سليمان أن يتحصن في عقر، ما وراء طهثأن والأدغال التي فيها وكرهوا خروجه عنهم لموافقته في فعله، وخافوا السلطان، فسار إليه، فنزل بقرية مروان، بالجانب الشرقي من نهر طهثأن وجمع إليه رؤساء الباهليين، وكتب إلى الخبيث يعلمه بما صنع، فكتب إليه يصوب رأيه، ويأمره بإنفاذ ما عنده ممنيرة ونعم، فأنفذ ذلك إليه.
وورد على سليمان أن أغرتمش وحشيشاً قد أقبلا في الخيل والرجال، والسميريات والذأن يريدون حربه، فجزع جزعاً شديداً؛ فلما أشرفوا عليه ورآهم أخذ جمعاً من أصحابه وسار راجلأن واستدبر أغرتمش، وجد أغرتمش في المسير إلى عسكر سليمان، وكان سليمان قد أمر الذي استخلفه من جيشه أن لا يظهر منهم أحد لأصحاب أغرتمش، وأن يخفوا أنفسهم ما قدروا إلى أن يسمعوا أصوات طبولهم، فإذا سمعوها خرجوا عليه.
وأقبل أغرتمش إليهم، فجزع أصحاب سليمان جزعاً عظيمأن فتفرقوأن ونهضت شرذمة منهم، فواقعوهم، وشغلوهم عن دخول العسكر، وعاد سليمان من خلفهم، وضرب طبوله، وألقوأنفسهم في الماء للعبور إليهم، فانهزم أغرتمش وظهر من كان من السودان بطهثأن ووضعوا السيوف فيهم وقتل حشيش، وانهزم أغرتمش، وتبعه الزنوج إلى عسكره، فنالوا حاجاتهم منه، واخذوا منهم شذوات فيها مال وغيره، فعاد أغرتمش فانتزعها من أيديهم، فعاد سليمان وقد ظفر وغمن، وكتب إلى صاحب الزنج بالخبر، وسير إليه رأس حشيش، فسيره إلى علي بن أبان، وهوبنواحي الأهواز، وسير سليمان سرية، فظفروا بإحدى عشرة شذاة، وقتلوا أصحابها.

.ذكر وقعة للزنج عظيمة انهزموا فيها:

وفيها كانت وقعة للزنوج مع أحمد بن ليثويه، وكان سبها أن مسروراً اللبلخي وجه أحمد بن ليثويه إلى كور الأهواز، فنزل السوس، وكان يعقوب الصفار قد قلد محمد بن عبيد الله بن هزارمرد الكردي كور الأهواز، فكاتب محمد قائد الزنج يطعمه في الميل إليه، وأوهمه أنه يتولى له كور الأهواز.
وكان محمد يكاتبه قديمأن وعزم على مداراة الصفار، وقائد الزنج، حتى يستقيم له الأمر فيهأن فكاتبه صاحب الزنج يجيبه إلى ما طلب على أن يكون علي بن أبان المتولي لليلاد، ومحمد بن عبيد الله يخلفه عليهأن فقبل محمد ذلك، فوجه إليه علي بن أبان جيشاً كثيرأن وأمدهم محمد بن عبيد الله، فساروا نحوالسوس، فمنعهم أحمد بن ليثويه ومن معه من جند الخليفة عنهأن وقاتلهم فقتل منهم خلقاً كثيرأن وأسر جماعة.
وسار أحمد حتى نزل جندي سابور، وسار علي بن أبان من الأهواز ممداً محمد بن عبيد الله على أحمد بن ليثويه، فلقيه محمد في جيش كثير من الأكراد والصعاليك، ودخل محمد تستر، فانتهى إلى أحمد بن ليثويه الخبر بتضافرهما على قتاله، فخرج عن جند يسابور إلى السوس.
وكان محمد قد وعد علي بن أبان أن يخطب لصاحبه قائد الزنج، يوم الجمعة، على منبر تستر، فلما كان يوم الجمعة خطب للمعتمد وللصفار، فلما علم علي بن أبان ذلك انصرف إلى الأهواز، وهدم قنطرة كانت هناك لئلا تلحقه الخيل، فانتهى أصحاب علي إلى عسكر مكرم فنهبوهأن وكانت داخلة في سلم الخبيث، فغدروا بها وساروا إلى الأهواز.
فلما علم أحمد ذلك أقبل إلى تستر، فواقع محمد بن عبيد الله ومن معه، فانهزم محمد بن عبيد الله، ودخل أحمد تستر، وأتت الأخبار علي بن أبان بأن أحمد على قصدك، فسار إلى لقائه ومحاربته، فالتقيأن واقتتل العسكران، فاستأمن إلى أحمد جماعة من الأعراب الذين مع علي بن أبان، فانهزم باقي أصحاب علي، وثبت معه جماعة يسيرة، واشتد القتال، وترجل علي بن أبان وباشر القتال راجلأن فعرفه بعض أصحاب أحمد فأنذر الناس به، فلما عرفوه انصرف هاربأن وألقى نفسه في المسرقان، فأتاه بعض أصحابه بسميرية، فركب فيها ونجا مجروحأن وقتل من أبطال أصحابه جماعة كثيرة.

.ذكر أخبار أحمد بن عبد الله الخجستاني:

كان أحمد بن عبد اله الخجستاني من خجستان، وهي من جبال هراة، من أعمال باذغيس، وكان من أصحاب محمد بن طاهر، فلما استولى يعقوب بن الليث على نيسابور، على ما ذكرناه، ضم أحمد إليه وإلى أخيه علي بن الليث، وكان ينوشركب ثلاثة أخوة: إبراهيم، وأبوحفص يعمر، وأبوطلحة منصور، أبومسلم، وكان أسنهم إبراهيم، وكان قد أبلى بين يدي يعقوب عند مواقعة الحسن بن زيد بجرجان، فقدمه، فدخل عليه يوماً نيسابور، وهويوم فيه برد شديد، فخلع عليه يعقوب وبر سمور كان على كتفه، فحسده عليه الخجستاني فقال له: إن يعقوب يريد الغدر بك، لأنه لا يخلع على أحد من خاصته خلعة إلا غدر به.
فغم ذلك إبراهيم، وقال: كيف الحيلة في الخلاص؟ قال: الحيلة أن نهرب جميعاً إلى أخيك يعمر، فإني خائف عليه أيضاً. وكان يعمر قد حاصر أبا داود الناهجوزي ببلخ، ومعه نحومن خمسة آلاف رجل، فاتفقا على الخروج ليلتهم، فسبقه إبراهيم إلى الموعد، فانتظره ساعة فلم يره، فسار نحوسرخس، وذهب الخجستاني إلى يعقوب فأعلمه، فأرسله في أثره، فلحقوه بسرخس فقتلوه، ومال يعقوب إلى الخجستاني.
فلما أراد يعقوب العود إلى سجستان استخلف على نيسابور عزيز بن السري، وولى أخاه عمروبن الليث هراة، فاستخلف عمروعليها طاهر ابن حفص الباذغيسى، وسار يعقوب إلى سجستان سنة إحدى وستين ومائتين، وأحب الخجستاني التخلف لما كان يحدث به نفسه، فقال لعلي بن الليث: إن خويك قد اقتسما خراسان، ولي سلك بها من يقوم بشغلك، فيجب أن تردني إليها لأقوم بأمورك؛ فاستأذن أخاه يعقوب في ذلك، فأذن له، فلما حضر أحمد يودع يعقوب أحسن له القول، وردة وخلع عليه، فلما ولى عنه قال يعقوب: اشهد أن قفاه قفا مستعص، وأن هذا آخر عهدنا بطاعته. فلما فارقهم جمع نحواً من مائة رجل فورد بهم بشت نيسابور، فحارب عاملهأن وأخرجه عنهأن وجباهأن ثم خرج إلى قومس، فقتل ببسطام مقتلة عظيمة، وتغلب عليها وذلك سنة وستين ومائتين.
وسار إلى نيسابور، وبها عزيز بن السري، فهرب عزيز، وأخذ أحمد أثقاله، واستولى على نيسابور يدعوإلى الطاهرية، وذلك أول سنة اثنتين وستين ومائتين، وكتب إلى رافع بن هرثمة يستقدمه، فقدم عليه، فجعله صاحب جيشه، وكتب إلى يعمر بن شركب، وهويحاصر بلخ، يستقدمه ليتفقا على تلك البلاد، فلم يثق إليه لفعله بأخيه، وسار يعمر إلى هراة، فحارب طاهر بن حفص فقتله، واستولى على أعمال طاهر، فسار إليه أحمد، فكانت بينهما مناوشات.
وكان أبوطلحة بن شركب غلاماً من أحسن الغلمان، وكان عبد الله ابن بلال يميل إليه، وهوأحد قواد يعمر، فراسل الخجستاني، وأعلمه أنه يعمل ضيافة ليعمر وقواده، ويدعوهم إليه يوماً ذكره، ويأمره بالنهوض إليهم فيه، فإنه يساعده، وشرط عليه أن يسلم إليه أبا طلحة، فأجابه أحمد إلى ذلك، فصنع ابن بلال طعامأن ودعا يعمر وأصحابه، وكبسهم أحمد، وقبض على يعمر، وسيره إلى نائبه بنيسابور فقتله، واجتمع إلى أبي طلحة جماعة من أصحاب أخيه فقتلوا ابن بلال وساروا إلى نيسابور وكان بها الحسين بن طاهر أخومحمد بن طاهر قد وردها من أصبهان، طمعاً أن يخطب لهم أحمد كما كان يظهره من نفسه، فلم يفعل، فخطب له أبوطلحة بهأن وأقام معه، فسار إليه الخجستاني من هراة في اثني عشر ألف عنان، فأقام على ثلاث مراحل من نيسابور، ووجه أخاه العباس إليهأن فخرج إليه أبوطلحة، فقاتله، فقتل العباس وانهزم أصحابه.
فلما بلغ خبرهم إلى أحمد عاد إلى هراة، ولم يعلمه لأخيه خبرأن فبذل الأموال لمن يأتيه بخبره، فلم يقدم أحد على ذلك، وأجابه رافع بن هرثمة إليه، فاستأمن إلى أبي طلحة فأمنه وقربه ووثق إليه، وتحقق رافع خبر العباس، فأنهاه إلى أخيه أحمد، وأنفذه أبوطلحة إلى بيهق وبست ليجبي أموالها لنفسه، وضم إليه قائدين، فجبى رافع الأموال، وقبض على القائدين، وسار إلى الخجستاني، إلى قرية من قرى خواف، فنزلها وبها حلي بن يحيى الخارجي، فنزل ناحية عنه.
فبلغ الخبر إلى أبي لحة، فركب كجدأن فوصل إليهم ليلأن فأوقع بحلي وأصحابه، وهويظنه رافعأن وهرب رافع سالمأن وعلم أبوطلحة بحال حلي بعد حرب شديدة، فكف عنه، وأحسن إليه وإلى أصحابه.
ثم وجه أبوطلحة جيشاً إلى جرجان، وبها ثابت بن الحسن بن زيد، ومعه الديلم، وكان على جيش أبي طلحة إسحاق الشاري، فحاربوا الديلم بجرجان، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وأجلوهم عنهأن وذلك في رجب سنة ثلاث وستين ومائتين.
ثم عصى إسحاق على أبي طلحة، فسار إليه أبوطلحة، واشتغل في طريقه باللهو والصيد، فكبسه إسحاق وقتل أصحابه، وانهزم أبوطلحة إلى نيسابور، فاستضعفه أهلهأن فأخرجوه منهأن فنزل على فرسخ عنهأن وجمع جمعاً وحاربهم، ثم افتعل كتاباً عن أهل نيسابور إلى إسحاق، يستقدمونه إليهم، ويعدونه المساعدة على أبي طلحة، فاغتر إسحاق بذلك، وكتب أبوطلحة عن إسحاق كتاباً إلى أهل نيسابور يعدهم أنه يساعدهم على أب يطلحة، ويأمرهم بحفظ الدروب، وترك مقاربة البلد إلى أن يوافيهم، فاغتروا بذلك، وظنوه كتابه، ففعلوا ما أمرهم.
وسار إسحاق مجدأن فلما قارب نيسابور لقيه أبوطلحة، فغافصه، فطعنه أبوطلحة، فألقاه عن فرسه في بئر هناك، فلم يعلم له خبر، وانهزم أصحابه، ودخل بعضهم إلى نيسابور، وضيق عليهم أوطلحة، فكاتبوا الخجستاني واستقدموه من هراة، فأتاهم في يومين وليلتين، وورد عليهم ليلأن ففتحوا له الأبواب، ودخلها وسار عنها أبوطلحة إلى الحسن بن زيد، فأمده بجنود، فعاد إلى نيسابور، فلم يظفر بشي، فسار إلى بلخ، وحصر أبا داود الناهجوزي، واجتمع معه خلق كثير، وذلك سنة خمس، وقيل ست وستين ومائتين.
وسار الخجستاني إلى محاربة الحسن بن زيد لمساعدته أبا طلحة، فاستعان الحسن بأهل جرجان، فأعانوه، فحاربهم الخجستاني فهزمهم، وأغار عليهم، وجباهم أربعة آلاف ألف درهم، وذلك في رمضان سنة خمس وستين.
واتفق أن يعقوب بن الليث توفي سنة خمس وستين أيضاً، وولي مكانه أخوه عمرو، فعاد إلى سجستان وقصد هراة فعاد الخجستاني من جرجان إلى نيسابور، ووافاه عمروبن الليث، فاقتتلأن وانهزم عمروورجع إلى هراة، وأقام أحمد بنيسابور، وكان كيكان، وهويحيى بن محمد بن يحيى الذهلي، وجماعة من المتطوعة والفقهاء بنيسابور يميلون إلى عمرولتولية السلطان إياه، فرأى الخجستاني أن يوقع بينهم ليشتغل بعضهم ببعض، وأحضر منهم جماعة من الفقهاء القائلين بمذاهب أهل العراق، فأحسن إليهم، وقربهم، وأكرمهم، وأظهروا الخلاف على كيكان، ونابذوه.
وكان كيكان يقول بمذهب أهل المدينة، فكفي شرهم، وسار إلى هراة فحصر بها عمروبن الليث سنة سبع وستين، فلم يظفر بشيء، فسار نحوسجستان فحصر في طريقه رمل سي فلم يظفر بشيء منهأن فاحتال حتى استمال رجلاً قطاناً كانت داره إلى جانب السور، ووعده أن ينقب من العسكر إلى داره، ويخرج أصحابه إلى البلد، فاستأمن رجلان إلى البلد من أصحاب الخجستاني وذكرا الخبر لصاحبه، فأخذ القطان وأخربت داره، وبطل ما كان الخجستاني عزم عليه.
وكان خليفة الخجستاني بنيساور قد أساء السيرة، وقوى العيارين وأهل الفساد، فاجتمع الناس إلى كيكان، فثار على نائبه، وأعانهم عمروبن الليث بجنده، فقبضوا على خليفة الخجستاني، وأقام أصحاب عمروبنيسابور، فبلغ الخبر إلى أحمد، فوافى نيسابور، فخرج عنها كيكان وغيره، فردهم أصحاب أحمد الخجستاني، فقتل منهم جماعة، وغيب كيكان، فلم يظهر إلا بعد مدة ميتأن وقد بنى عليه حائطاً فمات فيه.
وأقام أحمد بنيسابور تمام سنة سبع وستين ومائتين؛ ثم إن عمراً أبا طلحة، وهويحاصر بلخ، يستقدمه إلى هراة، فأتاه، فأكرمه، وأعطاه مالاً عظيمأن ووعده وتركه بخراسان، وعاد إلى سجستان؛ فسار أحمد إلى سرخس، وبها عامل عمرو، فأتاه أبوطلحة، فقاتله، فانهزم أبوطلحة ومر على وجه، وسار أحمد خلفه، فلحقه بخلم فحاربه، فهزمه أيضأن وسار نحوسجستان، وأقام أحمد بطخارستان.
وكان ناسرار عباس القطان قد أتى طلحة، فسار نحونيسابور، فأعانه أهلهأن فاخذوا والدة الخجستاني وما كان معها؛ وأقام بنيسابور، ولحق به أبوطلحة، فمنعه أهل نيسابور من دخولها.
واتصل الخبر بالخجستاني وهوبطايكان من طخارستان، فسار مجداً نحونيسابور.
ولما أيس الطاهرية من الخجستاني، وكان أحمد بن محمد بن طاهر بخوارزم والياً عليهأن أنفذ أبا العباس النوفلي في خمسة آلاف رجل ليخرج أحمد من نيسابور، فبلغ خبره أحمد، فأرسل إليه ينهاه عن سفك الدماء، فأخذ النوفلي الرسل، فأمر بضربهم، وحلق لحاهم، وأراد قتلهم، فبيمنا هم يطلبون الجلادين، والحجامين ليحلقوا لحاهم، أتاهم الخبر بقرب جيش أحمد منهم، فاشتغلوأن وتركوا الرسل، فهربوا إلى أحمد وأعلموه الخبر، فعبأ أصحابه، وحملوا على النوفلي حملة رجل واحد، فاكثروا فيهم القتل، وقبضوا على النوفلي، وأحضروه عنده، فقال له: إن الرسل لتختلف إلى بلاد الكفار، فلا تتعرض لهم، أفلا استحيت أن تأمر في رسلي بما أمرت؟ فقال النوفلي: أخطأت؛ فقال: لكني سأصيب في أمرك! ثم أمر به فقتل.
وبلغه أن إبراهيم بن محمد بن طلحة بمروقد جبى أهلها في سنتين خمسة عشر خراجأن فسار إليه في أبيورد في يوم وليلة، فأخذه من على فراشه، وأقام بمرو، فجبى خراجهأن ثم ولاها موسى البلخي، ثم وافاها الحسين بن طاهر، فأحسن فيهم السيرة، ووصل إليه نحوعشرين ألف ألف درهم.

.ذكر قتل الخجستاني:

لما كان الخجستاني بطخارستان وافاه خبر أخذ والدته من نيسابور، وسار مجدأن فلما قارب هراة أتاه غلام لأبي طلحة، يعرف بينال ده هزار، مستأمناً فأتاه خبره قبل وصوله، وكان للخجستاني غلام اسمه رامجور على خزائنه، فقال له كالممازح له: إن سيدك ينال ده هزار قد استأمن إلي، كما علمت، فانظر كيف يكون برك به. فحقدها عليه رامجور، وخاف أن يقدم ذلك الغلام عليه، ويطلب الفرصة ليقتله.
وكان لأحمد غلام يدعى قتلغ، وهوعلى شرابه، فسقاه يومأن فرأى في الكوز شيئأن فأمر به فقلعت إحدى عينيه، فتواطأ قتلغ ورامجور على قتله، فشرب يوماً بنيسابور عند وصوله من طايكان، فسكر ونام، فتفرق عنه أصحابه، فقتله رامجور وقتلغ، وكان قتله في شوال سنة ثمان وستين ومائتين، وأخذ رامجور خاتمه فأرسله إلى الإصطبل يأمرهم بإسراج عدة دواب، ففعلوأن فسير عليها جماعة إلى أبي طلحة وهوبجرجان يعلمه الحال، ويأمره بالقدوم، ثم أغلق رامجور الباب على أحمد واختفى.
وبكر القواد إلى باب أحمد، فوجدوا باب حجرته مغلقأن فانتظروه ساعة طويلة، فرابهم الأمر، ففتحوا الباب فرأوه مقتولأن فبحثوا عن الحال، وأخبرهم صاحب الاصطبل خبر رامجور في إنفاذ الخاتم، فطلبوه فلم يجدوه، ثم وجدوه بعد مدة.
وكان سبب إطلاعهم عليه أن صبياً من أهل تلك الدار التي هوبها طلب نارأن فقيل له: ما تعلمون بالنار في اليوم الحار؟ فقيل: نتخذ طعاماً للقائد؛ قيل: ومن القائد؟ قال: رامجور؛ فأنهوا خبره إلى بعض القواد، فأخذوه وقتلوه.
واجتمع أصحاب أحمد بعد قتله على رافع بن هرثمة، وسنذكر أخبار رافع سنة صمان وستين ومائتين.
وكان أحمد بن عبد الله، لما عاد من طايكان بعد قتل والدته، نصب رمحاً طويلاً في صحن داره وقال: يحتاج أهل نيسابور أن يضعوا الدر حتى يغمروا هذا الرمح. فخافوا منه، واستخفى جمع من الرؤساء والتجار، وفزع الناس إلى الدعاء، وسألوا أبا عثمان وغيره من أصحاب أبي حفص الزاهد أن يتضرعوا إلى اله تعالى ليفرج عنهم، وفعلوأن فتداركهم الله برحمته، فقتل تلك الليلة، وفرج الله عنهم.
وكان أحمد كريمأن جوادأن شجاعأن حسن العشرة، كثير البر لإخوانه الذين صحبوه قبل إمارته، والإحسان إليهم، ولم يتغير لهم عما كان يفعله من التواضع والآداب.

.ذكر عدة حوادث:

فيها ولي القضاء علي بن محمد بن أبي الشوارب.
وفيها سار الحسين بن طاهر بن عبد الله بن طاهر إلى الجبل في صفر.
وفيها مات الصلاني والي الري ووليها كيغلغ.
وفيها نهب ابن زيدويه الطبيب؛ ومات صلح بن علي بن يعقوب بن المنصور، وولي إسماعيل بن إسحاق قضاء الجانب الشرقي من بغداد، فصار له قضاء الجانبين.
وفيها تنافر أبوأحمد الموفق وأحمد بن طولون، أمير ديار مصر، وصار به بينهما وحشة مستحكمة، وتطلب الموفق من يتولى الديار المصرية، فلم يجد أحداً لأن ابن طولون كانت خدمه وهداياه متصلة إلى القواد بالعراق وأرباب المناصب، فلهذا لم يجد من يتولاهأن فكتب إلى ابن طولون يهدده بالعزل، فأجابه جواباً فيه بعض الغلظة، فسير إليه الموفق موسى بن بغا في جيش كثيف، فسار إلى الرقة.
وبلغ الخبر ابن طولون، فحصن الديار المصرية، وأقام ابن بغا عشرة أشهر بالرقة، لم يمكنه المسير لقلة الأموال معه، وطالبه الأجناد بالعطاء، فلم يكن معه ما يعطيهم، فاختلفوا عليه، وثاروا بوزيره عبد الله بن سليمان، فاستتر، واضطر ابن بغا إلى العود إلى العراق، وكفى اله أحمد بن طولون شرة فتصدق بأموال كثيرة.
وفيها قتل محمد بن عتاب وكان سائراً إلى السيبين، وهي في ولايته، فقتله الأعراب.
وفيها قتل القطان صاحب مفلح، وكان عاملاً بالموصل، فانصرف عنهأن فقتل بالرقة.
وفيها عقد لكفتمر علي بن الحسين بن دود على طريق مكة.
وفيها وقع بين الخياطين والجزارين بمكة قتال يوم التروية، حتى خاف الناس أن يبطل الحج، ثم تحاجزوا إلى أن يحج الناس، وقد قتل منهم سبعة عشر رجلاً؛ وحج بالناس الفضل بن إسحاق بن العباس بن محمد.
وفيها سير محمد صاحب الأندلس ابنه المنذر في جيش إلى الجليقي، وكان بمدينة بطليوس، فلا سمع خبرهم فارقهأن ودخل حصن كركر، فحوصر فيه، وكثر القتل في أصحابه في شوال.
وفيها مات عمروبن شبه المنيري الأخباري، وكان مولده سنة ثلاث وسبعين ومائة.

.حوادث سنة ثلاث وستين ومائتين:

.ذكر وقعة الزنج:

لما انهزم علي بن أبان جريحأن كما ذكرناه، وعاد إلى الأهواز لم يقم بهأن ومضى إلى عسكر صاحبه يداوي جراحه، واستخلف على عسكره بالأهواز، فلما برأ جرحه عاد إلى الأهواز، ووجه أخاه الخليل بن أبان في جيش كثيف إلى احمد بن ليثويه، وكان أحمد بعسكر مكرم، فكمن لهم أحمد، وخرج إلى قتالهم، فالتقى الجمعان، واقتتلوا أشد قتال، وخرج الكمين على الزنج فانهزموأن وتفرقوأن وقتلوأن ووصل المنهزمون إلى علي بن أبان، فوجه مسلحة إلى المسرقان، فوجه إليهم أحمد ثلاثين فارساً من أصحابه، من أعيانهم، فقتلهم الزنج جميعهم.